مسألة نحوية فقهية


مسألة نحوية فقهية


رجل قال ما أعظم الله قال له آخر هذا لا يجوز 

الجواب يجوز ذلك وقد قال تعالى أبصر به وأسمع أي ما أبصره وما أسمعه والضمير يعود على الله تعالى فدل على جواز التعجب في ذلك قال رضي الله عنه وقد رفعت إلى فتوى فيمن قال ما أعظم الله هل عليه شيء أو لا وهل يجوز ذلك أو لا فكتبت عليها لا شيء عليه وهذا كلام صحيح ومعناه أن الله تعالى في غاية العظمة ومعنى التعجب في ذلك لا ينكر لأنه مما تحار فيه العقول والإتيان بصيغة التعجب في ذلك جائزة لقوله تعالى أبصر به وأسمع والصيغة المسئول عنها صحيحة لأن إعظام الله وتعظيمه الثناء عليه بالعظمة أو اعتقادها وكلاهما حاصل والموجب لهما أمر عظيم يصح أن يكون المراد بما أعظم فبلغني بعد ذلك عن شيخنا أبي حيان أنه كتب فنظرت فرأيت أبا بكر بن السراج في الأصول قال في شرح التعجب وقد حكيت ألفاظ من أبواب مختلفة مستعملة بحال التعجب فمن ذلك ما أنت من رجل تعجب وسبحان الله ولا إله إلا الله وكاليوم رجلا وسبحان الله من رجل ورجلا وحسبك بزيد رجلا ومن رجل والعظمة لله من رب وكفاك بزيد رجلا تعجب فقوله العظمة لله من رب دليل لجواز التعجب في صفات الله تعالى وإن لم تكن بصيغة ما أفعله وأفعل به ومن جهة المعنى لا فرق من حيث كونه تعجبا
وقال كمال الدين أبو البركات محمد بن عبد الرحمن الأنباري في كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف في النحو
مسألة ذهب الكوفيون إلى أن الفعل في التعجب نحو ما أحسن زيدا اسم والبصريون إلى أنه فعل وإليه ذهب الكسائي أما الكوفيون فاحتجوا وذكر أمورا ثم قال ومنهم من تمسك
فذكر شيئا ثم قال والذي يدل على أنه ليس بفعل وأنه ليس التقدير فيه ما أحسن زيدا قولهم ما أعظم الله ولو كان التقدير فيه ما زعمتم لوجب أن يكون التقدير شيء أعظم الله والله تعالى عظيم لا بجعل جاعل وقال الشاعر ما أقدر الله أن يدني على شحط من داره الحزن ممن داره الصول ولو كان الأمر كما زعمتم لوجب أن يكون التقدير فيه شيء أقدره الله والله تعالى قادر لا بجعل جاعل قال وأما البصريون فاحتجوا به ثم قال وأما الجواب عن كلمات الكوفيين فذكر إلى أن قال وأما قولهم فيما أعظم الله قلنا معناه شيء أعظم الله أي وصفه بالعظمة كما تقول عظمت عظيما ولذلك الشيء ثلاثة معان أحدها أن نعني بالشيء من يعظمه من عباده
والثاني أن نعني بالشيء ما يدل على عظمة الله تعالى وقدرته من مصنوعاته
والثالث أن نعني به نفسه أي أنه عظيم لنفسه لا لشيء جعله عظيما فرقا بينه وبين غيره
وحكي أن بعض أصحاب المبرد قدم من البصرة إلى بغداد قبل قدوم المبرد فحضر حلقة ثعلب فسأل عن هذه المسألة فأجاب بجواب أهل البصرة وقال التقدير شيء أحسن زيدا فقيل له ما تقول في قولنا ما أعظم الله فقال شيء أعظم الله فأنكروا عليه وقالوا هذا لا يجوز لأنه عظيم لا بجعل جاعل ثم سحبوه من الحلقة فأخرجوه فلما قدم المبرد أوردوا عليه هذا الإشكال فأجاب بما قدمنا فبان بذلك قبيح إنكارهم عليه وفساد ما ذهبوا إليه
وقيل يحتمل أن يكون قولنا شيء أعظم الله بمنزلة الإخبار أنه عظيم لا شيء جعله عظيما لاستحالته وأما قول الشاعر ما أقدر الله
فإنه وإن كان لفظه لفظ التعجب فالمراد به المبالغة في وصف الله تعالى بالقدرة كقوله تعالى فليمدد له الرحمن مدا جاء بصيغة الأمر وإن لم يكن في الحقيقة أمرا وإن شئت قدرته تقدير ما أعظم الله على ما بينا انتهى كلام ابن الأنباري
وهو نص صريح في المسألة وناطق بالاتفاق على صحة إطلاق هذا اللفظ وأنه غير مستنكر ولكنه مختلف هل يبقى على حقيقته من التعجب وتحمل الأوجه الثلاثة التي ذكرها أو تجعل مجازا عن الإخبار
وأما إنكار اللفظ فلم يقل به أحد والأصح أنه باق على معناه من التعجب وتأويل الشيء على ما ذكر
وقد ذكر أبو الوليد الباجي في كتاب السنن من تصنيفه قال باب أدعية من غير القرآن مستحبة فذكر منها ما أحلمك عن من عصاك وأقربك ممن دعاك وأعطفك على من سألك وذكر شعرا لغيره من جملته سبحانك اللهم ما أجل عندي مثلك انتهى ما قاله الباجي في كتاب السنن من تصنيفه ورأيت في السيرة عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه رواه ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه وناهيك بهما في جوار ابن الدغنة قال القاسم إن أبا بكر لقيه سفيه من سفهاء قريش وهو عائد إلى الكعبة فحثى على رأسه ترابا فمر بأبي بكر الوليد بن المغيرة أو العاص بن وائل فقال أبو بكر ألا ترى ما يصنع هذا السفيه قال أنت فعلت ذلك بنفسك أي وربا ما أحلمك انتهى
فلو لم يكن من هذا إلا كلام القاسم بن محمد لكفى فضلا عن روايته عن أبي بكر وإن كانت مرسلة
وقال الزمخشري في الكشاف في سورة الرحمن في قوله تعالى ذو الجلال والإكرام معناه الذي يجله الموحدون عن التشبه بخلقه أو الذي يقال له ما أجلك وأكرمك
وقال الزمخشري في قوله تعالى أبصر به وأسمع إنه جاء بما دل على التعجب من إدراكه للمسموعات والمبصرات للدلالة على أن أمره في الإدراك خارج عن حد ما عليه إدراك السامعين والمبصرين لأنه يدرك ألطف الأشياء وأصغرها كما يدرك أكبرها حجما وأكثفها جرما ويدرك البواطن كما يدرك الظواهر وذكر أبو محمد عبد الله بن علي بن إسحاق الضميري في كتاب التبصرة والتذكرة في النحو وإذا قلت ما أعظم الله وذلك الشيء عباده الذين يعظمونه ويعبدونه ويجوز أن يكون ذلك الشيء هو ما يستدل به على عظمته من بدائع خلقه ويجوز أن يكون ذلك الشيء هو الله عز وجل فيكون لنفسه عظيما لا لشيء جعله عظيما ومثل هذا مستعمل كثيرا في كلام العرب كما قال الشاعر نفس عصام سودت عصاما انتهى
وهذا كما قال ابن الأنباري
وقال المتنبي ما أقدر الله أن يجزي خليقته ولا يصدق قوما في الذي زعموا
قال الواحدي في شرحه يقول الله تبارك وتعالى قادر على إجزاء خليقته بأن يملك عليهم لئيما ساقطا من غير أن يصدق الملحدة الذين يقولون بقدم الدهر يشير إلى أن تأمير مثله إجزاء للناس والله تعالى قد فعل ذلك عقوبة لهم وليس كما يقول الملحدة إن تمليك مثله يشكك الناس في حكمة الباري فيظن التعطيل
وقال ابن الدهان سعيد بن المبارك بن علي في شرح الإيضاح فإن قيل فإذا قدرت ما تقدير شيء وإذا قلت ما أحسن زيدا قدرته تقدير شيء أحسن زيدا فما تصنع بقولهم ما أعظم الله
فالجواب من وجوه أحدها أن يكون ذلك الشيء نفسه ويجوز أن يكون ما دل عليه من مخلوقاته والثالث من يعظمه من عباده الرابع أن تكون الأفعال الجارية عليه لحملها على ما يجوز من صفاته ويليق به فيحمل على أنه عظيم في نفسه لا على شيء عظم الله وإن كان يصح على ما بينا
وقال الزمخشري في قوله تعالى حاش لله ما هذا بشرا والمعنى تنزيه الله تعالى من صفات العجز والتعجب من قدرته على خلق جميل مثله وأما قوله تعالى حاش لله ما علمنا عليه من سوء فالتعجب من قدرته على خلق عفيف مثله .
فتاوى السبكي

المشاركات الشائعة من هذه المدونة